تجري في المرحلة الراهنة مفاوضات مكثفة بين الحكومة، وصندوق النقد الدولي في مسعى لإنهاء المراجعتين الخامسة والسادسة من برنامج الإصلاح الاقتصادي المفترض له أن ينتهي العام المقبلة 2026.
هناك من يرى أن مطالب صندوق النقد قد خفت حدتها، خصوصاً أنه يرى بوجود تقدم في الخطوات التي اتخذتها مصر على مدى السنوات الماضية في مجالات مختلفة، منها سعر الصرف المرن للجنيه أمام الدولار وباقي العملات بالتوالي، بخلاف ما تحقق في خفض مخصصات الدعم.
كما يرى الصندوق أيضاً أن هناك تقدم في برامج الإصلاحات المالية والتجارية والهيكلية، وتعزيز الخطوات نحو التحول الرقمي وربط التجارة بالاستثمار، مع توجيه ما تحقق من وفرات عن خفض الدعم لبرامج الحماية الاجتماعية مع تحقيق نتائج ملموسة في دعم الفئات الأكثر احتياجا.
وجولة المفاوضات الراهنة مع صندوق النقد الدولي والتي تجري في واشنطن، تأتي في إطار برنامج "تسهيل الصندوق الممدد" بقيمة 8 مليارات دولار، ومن هنا لا يعني ما يراه صندوق النقد من تطورات أن مطالبه توقفت، بل مستمرة ولم تنته.
والمؤكد أن هناك ملفات معلقة من البرنامج المالي الموقع بين الصندوق والحكومة في نهاية 2022، وهي محل نقاش المراجعتين الخامسة والسادسة، وعلى رأسها ما يتعلق بملف الطروحات الحكومية، أي بيع كلي أو جزئي من الشركات المملوكة للدولة بطرح أسهمها للبيع عبر البورصة، أو لمشتر واحد.
والطروحات ملف معلق ولا يتخلى عنه الصندوق، وإن ظل محل نقاش وجدل طيلة السنوات الخمس الماضية، ويعمل الصندوق على التوصل لبرنامج بشأنه مع الحكومة، بغض النظر عن توقيت التنفيذ، فقد سبق تأجيله مراراً، فالأهم وضع مسار له باتفاق الطرفين، وفي الغالب ليس من الوارد تنفيذه هذا العام 2025، والوارد أن يكون في العام 2026، وقد أكد الصندوق على ذلك في تصريحات رسمية.
وسبق أن رأت الحكومة أهمية تأجيل كل الطروحات مراراً في الفترات الماضية، للوصول إلى السعر العادل لأي طرح، من 32 شركة وبنكاً سبق تحديدها لبيعها، ضمن طرح عام لأسهمها.
وتباعدت وجهات النظر في فترات التفاوض مع صندوق النقد الدولي، فيري الصندوق أن أي تأجيل قد يؤثر على حجم الثقة في السوق المصري، والذي يؤدي – من وجهة نظره – إلى تراجع في التدفقات الاستثمارية، ورؤية صندوق النقد تتعدى فكرة تحقيق مؤشرات مالية إيجابية أو استقرار مؤقت في سعر الصرف، إلى ضمان أن تكون الإصلاحات الاقتصادية التي تم الاتفاق عليها مستمرة بشكل مستدام دون أي تراجع عنها.
ورغم نفي صندوق النقد مطالبته بتحرير أسعار الوقود وتحريك أسعارها، إلا أن هذا بند رئيسي في برنامج الإصلاح الاقتصادي، إلا أن رفع أسعار المحروقات الجديدة التي تسري من اليوم الجمعة 17 أكتوبر، هي جزء من المراجعات الدورية لأسعار الوقود وتخفيض الدعم، وهو جزء رئيسي من توصيات تنفيذ برنامج التمويل مع الصندوق بتخفيض تكلفة الدعم، وحتى اللحظة لم يتم حسم "هل الزيادة الجديدة هي الأخيرة في أسعار المشتقات البترولية؟! ونفس الشي بالنسبة لأسعار الكهرباء!، وهو ما يعني أن الباب مفتوح لزيادات مقبلة.
ومن النقاط المعلقة مع صندوق النقد الدولي، مطلبه أو قل شرطه زيادة دور ومشاركة القطاع الخاص، مع توسيع قاعدة الملكية الخاصة في الاقتصاد، وهو يعني تقليص دور الدولة في الاقتصاد والإنتاج لصالح القطاع الخاص، وهو ما يراه البعض دعوة نحو الاحتكار، الأمر الذي يضر بمصالح فئات المجتمع وخصوصاً محدودي الدخل، - والذين أصبحوا أكثرية، - في أسعار عادلة للسلع والمنتجات، بل والخدمات أيضا.
ومن القضايا الاقتصادية الشائكة، هي الديون وأعبائها، والتي وصلت إلى أكثر من 165 مليار دولار، كديون خارجية، ففي الوقت الذي يطالب فيه صندوق النقد بإعادة هيكلة الشركات الحكومية المثقلة بالديون، يزداد عبْ الدين الخارجي، والسعي من جانب الحكومة للاقتراض مجدداً، ومنها التسهيل المرتقب من الصندوق بقيمة 8 مليارات دولار.
وفي الميزانية الحالية 2025- 2026، ارتفعت تكاليف خدمة الديون لتتصدر بنود الإنفاق، بل هناك مؤشرات رصدها متخصصون أن ما يزيد عن نصف إيرادات الحكومة في الموازنة الحالية للعام المالي 2025 - 2026 ستأتي من القروض، على حساب الإيرادات الطبيعية، مثل الضرائب والتي لا تتجاوز 12% من إجمالي الإيرادات.
وما يقلق بالفعل وجود أرقام مزعجة عن موقف النفقات على الديون بين العامين الماليين 2015 -2016 و2023 – 2024، فقد تضاعف سبع مرات- وفقا لأرقام رصدها مركز حلول للسياسات البديلة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، - لتصل إلى نحو 50.2% من إجمالي الإنفاق المتوقع في موازنة 2026/2025.
فك الارتباط بين الحكومة وصندوق النقد، حان الوقت ليصبح ضرورة وحتميا، وهو ما طالب به العديد من الخبراء، ويصبح أكثر إلحاحاً، إذا ما تم قراءة أولويات الإنفاق في الميزانية العامة للدولة ولتي تتراجع بالنسبة للصحة والتعليم، والخدمات الاجتماعية، لصالخ خدمة الدين، مع أهمية تطبيق مبادئ الشفافية.
---------------------------
بقلم: محمود الحضري